كل الدنيا - وكالات
واقع الشباب الخريجين والمتعلمين بقطاع غزة أصبح -نتيجة عوامل فاض الكيل في الحديث عنها- بات يندى له الجبين نتيجة قلة فرص العمل خاصةً الوظائف الحكومية ليتحول الخريج إلى مجرد نكرة في مجتمعه من ناحية علمه وتعليمه ليعمل بمجالاتٍ لم يكن يتوقعها البتة..فهذا دارس للطب تحول إلى "بائع ترمس"، وذاك دارس لغة عربية يعمل بائع "ذرة مشوية" أما دارس الاقتصاد فتحول لمهنة "الطوبار" .. !! ليست قصيدة نثر بقدر ما أنه واقع مؤلم.
أولئك الخريجون الذين "فقدوا الغالي والنفيس" من أجل أن ترى أمهاتهم ثمرة النور والعلم والعطاء بعد أن كدُوا وتعبوا من أجلهم لكي يتجسد واقعاً حقيقاً في حياتهم العملية، تَحَول إلى كابوس يرافق عواءلهم نتيجة الحرمان الوظيفي وتحولهم إلى عمل لا يستسيغه أبناؤهم.
جدير بالذكر أن معدل البطالة بين الخريجين الشباب بلغ 50.55% خلال الربع الأول من عام 2012م ناهيك عن من يعلمون بغير تخصصاتهم.
سائق و(علم واجتماع)!!
عبدالهادي قحمان (29 عاماً) أنهى دراسته الجامعية بتخصص "علم نفس واجتماع" حسب رؤيته المستقبلية التي أرئته له والدته وثلة من عائلته ليتخرج من جامعته بمعدل "جيد جداً" يطمح له جميع الناجحين والمتعلمين .. لكن !!.
عبدالهادي وبعد عناء الدراسة الأكاديمي وتكاليفها المادية اصطدم في حائط البطالة والفقر المطقع الذي عانى منه الويلات ليجد أن السبيل الوحيد لمواجهة تلك الكارثة المادية والاجتماعية هو أن يحول شهادته إلى مجرد "صورة لا تغنيه على شراء ما يستر به عورة فلذة كبده ليترك بعد عناء من البحث عن عمل بتخصصه إلى البحث عن عمل أخر لا يتاسب وتعليمه البتة.
عبدالهادي قحمان بعد عمل 5 سنوات وصفهن بالعجاف مازال يناشد مجتمعه ومسؤولية عبر ورقة لا تزيد في رقعته (15/15سم) وضعها فوق مذياع سيارته الذي أصابه العطل منذ فترة ليست بالبسيطة كتب فيه :"رسالة إلى أهل الخير "أنا سائق" لكني خريج جامعي منذ 5 سنوات بمعدل جيد جداً وأمنيتي العمل بمجال تخصصي(اجتماع وعلم نفس) ألا استحق".
عبدالهادي يقول :"في بداية مشواري التعليمي كنت متفائل أن انهي جامعتي والتحق بالأعمال الوظيفية لأحافظ على هيبتي باستثمار علمي بما ينفع المجتمع، لكني وجدت نفسي مرغماً على العمل كسائق أجرة".
وعن وضع الورقة التي كتب فيها معاناته أمام الركاب "وكل من هبَ ودبَ" يقول :"من تلك الورقة والكلمات البسيطة لا أريد أن أتسول أو أن استعطف الناس من حولي ولكني بالفعل أريد أن الفت نظر العامة والمسئولين لقضايا وهموم المواطنين خاصة شريحة الشباب الخريجين".
"أريد أن أحمل المجتمع عبئ المسؤولية وان يشاركني المعاناة بما انه طرف فيها، واخص بالذكر المسئولين وأصحاب السلطة ممن همهم الوحيد هو فقط الأكل والنوم" قول عبدالهادي.
عبدالهادي يوضح لمراسل الوكالة أن الديون تراكمت عليه بسبب الاستدانة المتراكمة لصالح إصلاح السيارة ومواكبة أعطالها وسدد ما تبقى من ثمنها..
ويقول :"بحمد الله أنني لم أعمل بتخصصي (علم نفس واجتماع) ولا يوم ولا ساعة فهذا حق الخريج على حكوماته وولاة أمره"
وفي خلال حديثه لفت إلى أن أمنيته الوحيدة والآلاف من الشباب الخريجين في هذه الحياة هي فقط أن يعملوا بتخصصاتهم التي عانوا من اجل حصد ثمارها لكن بدون جدوى.
وناشد المسئولين بضرورة الوقوف عند معاناة الشباب الخريجين والإطلاع على أحوالهم وأوضاعهم النفسية والاجتماعية والمالية داعياً إياهم بفتح أفاق ومشاريع تستوعب خلالها أكبر قدر ممكن منهم.
طوبار (وصحافة وإعلام) !!
أما الشاب أحمد الزق (26 عاماً) خريج قسم (لغة عربية وإعلام) فلا يكاد يجثو على ركبتيه جراء العمل في صنعه "البناء والطوبار" جراء الكد وراء لقمة العيش الذي بحث فيها بالوظائف الحكومية والخاصة لكنه محاولاته باءت بالفشل.
يقول الزق :"كلفتني الجامعة من العمر زهاء 5 سنوات وما يقرب على 5 آلاف دينار بالكاد استطعت إنهاؤها لكن الألم والتكاليف والتعب ازداد عندما صدمت أن أغلب الخريجين أما عواطلي وإما في مهنة لم ويكن يحلم فيها".
"إلى متى الانتظار أن اعمل في مهنتي وقد طرقت كل الأبواب والسبل في سبيل تامين لقمة العيش والعمل في تخصصي بكرامة لكن ندرة هم من يعملوا بمجالاتهم لعدم توظيف تلك الطاقات بشكل صحيح"قول الزق.
ويضيف :"لا بد من وجود إستراتيجية تحفظ كرامة المتعلمين لا أهانتهم وعلى الخريجين أن يتحركوا في إطار المطالبة بحقوقهم المسلوبة وعلى المسئولين الاستجابة قبل فوات الأوان وقبل أن يتحول الشاب الخريج إلى ما لا تحمد عقباه".
ويوضح الزق في نهاية حديثه أن الآلاف من الشباب المتعلمين وأصحاب الدراسات العليا أصبحوا بين عامل للطوبار وأجيِر عند فلان وفلان أو يقتات من بطالة هنا وهناك ويقول :"جميع الأمم والدول ترعى التعليم والمتعلمين وتتابع سير عملهم المهني وتحافظ على عقولهم لكن هنا في غزة لا يوجد أي نظر للخريجين واستخدامهم بما يخدم المجتمع بل همنا الوحيد هو تخريج متعلمين دون استخدام تلك العقول التي بدأت بالتحول عند البعض إلى أفكار شيطانية نتيجة الفقر والفراغ الوظيفي".