في ساحة المنزل الصغيرة, وبين أكوام من الحمص الأخضر, تجلس ام محمد وأبنائها الثلاثة بملابس العمل المغبرّة, وملامح التعب تبدو واضحة على وجوههم، وبين يد كل منهم خصلة من الحمص, يدٌ تمسك الخصلة ويدٌ تسحب الحبوب عنها, وبين كل خصلة وخصلة حكاية.
تروي ام محمد التي تسكن في بلدة كفر راعي في جنين "في كل سنة وتحديداً في شهر نيسان وأيار نبدأ بتوصية أصحاب المحلات الذين يستوردون الحمص الأخضر من سهول مدينة جنين, ومن ثم يقومون بايصاله لنا الى البيت ولكل بيوت الحارة, ونجتمع في العائلة على مئات الكيلوغرام من الحمص, ونقوم جميعاً بالعمل على فصل الحبوب عن العروق وجمعها في أكياس خاصة بها استعداداً لتسليمها".
وتضيف "نقوم في اغلب الأحيان بطلب 100 كيلو وأحياناً 200 كيلو يومياً, حيث أن على كل 100 كيلو 25 شيقل فقط, صحيح أنها قليلة بعض الشيء وخاصة انها تأخذ قدر كبير من العمل ومن الوقت الا اننا بحاجة الى المال, والصبر مفتاح الفرج".
وتتابع أم محمد "نحن نعمل ليلاً ونهاراً ونحاول قدر المستطاع أن ننجز من الكميات ما نستطيع, فظهورنا تنكسر ونحن جالسين, غير ان هناك الكثير من المخاطر في هذا العمل منها الحشرات المتواجدة بين هذه الأكوام والعقارب في كثير من الأحيان والأفاعي فهي أكوام مربوطة باحكام ولا نعلم ما يوجد بين هذه العروق".
وتكمل "ما يشعرنا بالاحباط أحيانا وأثناء العمل حين نعلم أن الكيلو الواحد من الحمص الأخضر تباع في الأسواق من 20-25 شيقل, ونحن في معظم الأحيان ننتج ما لايقل عن 40 كيلو صافي من ال 100 كيلو, رغم ذلك لا يكون نصيبنا منها الا 25 شيقل فقط, فالعمل شاق وبحاجة الى جهد كبير".
لو أجريت عملية حسابية بسيطة لوجدنا أن أم محمد وأبنائها ينتجون 40 كيلو حمص صافي مقابل كل 100 كيلو حمص مع عروقه ولا تتقاضى مقابل ذلك سوى 20-25 شيقلا فقط، ولو حسبنا أن الكيلو الصافي يبلغ سعره 20 شيقلا لوجدنا أن البائع يحصل على ما يقارب مبلغه 800 شيقل من بيع 40 كيلو صافي .
أما بالنسبة للعروق الفارغة فتقول ام محمد "غالباً ما نقوم بجمع العروق الفارغة بعد الانتهاء من سحب الحبوب منها, ونقوم ببيعها لأصحاب المواشي حيث يحتاجونها لاطعامها, لزيادة الاجرة على 25 شيقل".
ريم ابنة أم محمد تقول "رغم أنني طالبة في الثانوية العامة وأدرس للامتحانات في هذه الفترة, الا انه عندما تأتينا أكوام الحمص أترك الدراسة وأقوم بمساعدة والدتي لانجاز كمية أكبر, و خلال العمل لا اشعر بالتعب بل أشعر بالسعادة من هذا العمل, وليس له أي تأثير على مستواي الدراسي".
أبو علي والذي يسكن في نفس الحي الذي تسكن فيه أم محمد يقول "نحن نعلم أن هذا التعب يستحق أكثر من هذا المبلغ, وأننا نضيع وقتاً طويلا في العمل في أكوام الحمص, ولكن لا يوجد بديل, فاذا لم أوافق على هذا المبلغ فهناك غيري من يوافق والحاجة تتطلب منا ذلك".
التاجر أبو حمزة الذي يستورد الحمص الى البلدة يقول "نقوم باستيراد الحمص الأخضر من سهول مدينة جنين بعروقه, ونقوم بتوزيعه على الكثير من اهالي البلدة الذين يقومون بحجز اسماءهم تحسبا لتسليمهم الكمية التي طلبوها حين وصولها, حيث أن على كل مئة كيلو من الحمص الأخضر بعروقه يتقاضون 25 شيقل".
ويتابع "بعد أن يقوم الاهالي بتسليمي الحمص في أكياس أقوم بتجميعها واعادة ارسالها الى التجار في جنين ونابلس وباقي المحافظات, الذين في غالب الأحيان يقومون ببيع حبوب الحمص بالتجزئة بمبلغ يقع ما بين 20-25 شيقل في بداية الموسم وفي نهايته يصل احياناً الى عشرة شواقل".